في أمسية حاشدة، وضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2021 في واجهة الرياض، حاضر الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات
في أمسية حاشدة، وضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2021 في واجهة الرياض، حاضر الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، عن ما تضمنه كتابه الجديد "الملف الأفغاني" من شهادة متكاملة للفترة الزمنية الأكثر أهمية وحساسية في التاريخ الأفغاني الحديث، وعلاقة المملكة بالملف الأفغاني من واقع رحلة عمله التي تمتد لأكثر من 20 عامًا في هذا الملف المثير للجدل.
وعن تأليف الكتاب قال: "بعد أن استأذنت من الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- على تأليف الكتاب وافق، فقررت أن أكتبه باللغة بالإنجليزية كي يكون الاطلاع عليه ضمن دائرة عالمية بشتى أصقاع العالم، واستعنت بالمؤرخ البريطاني مايكل فيل، وانتهينا من الكتاب عام ١٤٢٧هـ.
وأضاف: "ظل الكتاب حبيسًا لحاسوبي حتى عام ١٤٤٠ هـ، وعندما جاءت ذكرى الـ٤٠ عاماً على الغزو السوفييتي لأفغانستان، عدت للبحث عن السيد فيل وتواصلنا واستعدنا ما كتبناه وأضفنا إليه أحدث التطورات وانتهينا منه بحلول عام ١٤٤٢هـ".
وكشف عن أنه تم التواصل مع ١٥ دارًا لطباعة الكتاب إلا أنها اعتذرت عن النشر إلا دار واحدة، وهي دار آربين أديشن، موضحًا أن تأخير الكتاب أضاف له أهمية أكبر.
جاء ذلك في محاضرة استضاف فيها معرض الرياض الدولي للكتاب في العاصمة السعودية الرياض مساء الخميس، الأمير تركي الفيصل ، للحديث حول كتابه الجديد "الملف الأفغاني" بعد أن دشن الأمير تركي الفيصل الطبعة العربية من كتابه الجديد «الملف الأفغاني» في معرض الرياض الدولي للكتاب ٢٠٢١م.
وحول رأيه في مسألة انخراط بعض الشباب في مسار التطرف الفكري في ظل مستوى التعليم الأدنى، قال الأمير تركي الفيصل رئيس مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث: "لقد برز لدنيا شباب يعتقدون أنه تقع عليهم مهمة تغيير العالم، بسبب تسمم الشباب بالأفكار العدمية"، مشيرا إلى أن كثير من الناس في العصر الحديث يتجاهلوا أو يتناسوا الشيطان الرجيم، إذ لا شك ان هناك عوامل تؤدي إلى اعتناق أولئك الشباب، افكارا مشحونة بالعدائية، والانحراف عن الأسس الإنسانية جمعاء بما في ذلك الأسس الإسلامية ، حيث يعتقدون أنهم الأصلح والأفضل عن بقية البشر.
ولفت الأمير تركي إلى أنه يتم استمالتهم من خلال أدوات التواصل، موضحاً أنه عندما قامت القاعدة، في آواخر العهد السوفيتي في أفغانستان، حيث كان أدوات تواصل ذلك الجيل تنحصر في الفاكس وأشرطة الكاسيت، إذ وجد "أسامة بن لادن" منصة منها ، ليوزع أغلب الفاكسات من مدينة لندن على المتطرفين، يقوم عليها مدير مكتب "بن لادن" هناك، مبينا أن المنفذ الآخر لـ"بن لادن"، كانت محطة الجزيرة الفضائية، التي وجد فيها منبرا لمخاطبة ليس فقط الشباب وإنما العالم كله، حيث كان الاهتمام والتبجيل الذي وجده في هذه الفضائية كافيا ليطرحه كمبشر لمن يخاطبهم.
ووفق الأمير تركي، كانت كل تلك الأساليب بعض الأدوات التي اتبعها هو واتباعه الذين يعتنقون فكره العدمي، والذي يروج به، مما سموا ذلك الجيل بالمشايخ وهم بعيدون عن ذلك، موضحا أن الأسباب النفسية تقود إلى هذا التوجه، واستنادا لما اطلعت عليه وقرأته في وسائل الإعلام، فأن الشعور بالإحباط والتقليل من قيمة النفس، يؤدي في نهاية المطاف إلى اعتناق مثل هذه الأفكار العدمية التي يعتنقونها، والتأسي بمن يطرحون أنفسهم كمخلصين لما يشعرون به من احباط ومن عدم احترام للنفس، فيظهروا لهم بمظهر الأبطال المخلصين الذين يستطيعون أن يفعلوا ما لم يستطع أن يفعله الآخرون، فتتكون لديهم هذه النزعة بهذا الهراء الفكري العدمي، حتى يصلون إلى مستوى التضحية بالنفس، والالقاء بأنفسهم في مهالك الانتحار، وربما يتسنى لمن تتاح له الفرصة الوقوف على أمثلة في معهد محمد بن نايف للمناصحة، حيث يمكن الاستزادة بمعلومات عن هذه الاعتقادات العدمية.
ولفت "الفيصل" إلى ان الأفكار العدمية، تعني عدم الاحترام والالتزام بأي مبدأ ، مبيناً أن هذه التعاريف نبعت في أوروبا في القرن التاسع عشر الميلادي، عندما نشأت بؤر في المجتمعات الأوروبية، إذ غرست في نزعة الشعور بالضعف والكره والاضطهاد من قبل مجتمعاتهم، ولذلك لا يكنوا لتلك المجتمعات أي احترام بل يقوم بأعمال ليثبتوا لهم أنهم مخالفين لهذا المجتمعات.
ومن هذا المنطلق ، يعتقد الأمير تركي أن أي من يحاول الوقوف ضد أهله ومجتمعه وقيادته يخالف لهم يقع في تصنيف أولئك الذي يعتنقون الأفكار العدمية.
وردا على سؤال المحاور الدكتور سعود كاتب، إن كان يمكن ان تتحول حركة طالبان إلى نظام سياسي دولي، وما التحديات التي تواجه الحركة في هذا الاتجاه، ردّ الأمير بتوجيه نفس السؤال له، مؤكدا أنه ليس لديه معلومات أو علم بالقدرة بأن تتحول طالبان إلى دولة وحكومة تسع الجميع في أفغانستان، مشيرا إلى أن طالبان في نسخته الأولى برهنوا عدم قدرتهم على ذلك، فشرعنوا استئصال فئات كثيرة من المجتمع الأفغاني، واستعدوا المجتمع من حوليهم، وأكثر من ذلك فإن استضافتهم لأسامة بن لادن ليقوم بأعماله العدائية ضد المملكة التي قدمت لهم أكبر مساعدة ونقضها لما قطعته معهم من وعود سابقة وموقف الملا عمر من الحوار الذي حضره الشيخ عبدالله التركي أكبر دليل على ذلك، حيث تغير موقف الملا عمر بعد ذلك وبدء يذم المملكة بأنها تضطهد (المجاهد الكبير بن لادن)، وأنه يجب عليها أن تضع يدها في يده ضد الاستعمار وضد الظالمين، منوها إلى أن هذه المواقف تسببت في قطع العلاقات بين المملكة وأفغانستان، وحصل ما حصل وأدى ذلك إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة.
وعن سؤال حول ماذا يخفي "الفيصل" بين السطور في كتابه عن الملف الأفغاني، قال الأمير تركي: لا يوجد بين السطور شيئاً"، مبيناً أن كل ما هو في جعبته حملته تلك السطور التي حواها كتابه، أما بالنسبة لما حصل من تحول في العالم وتأثيره على الوضع الأفغاني، يرى الأمير تركي، أن هناك تحدي جديد، بخلاف ما كان قائما في العهد السابق حيث الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يتداعى الاتحاد السوفيتي وذلك بين الصين الشيوعية والولايات المتحدة الأمريكية، فاليوم معلوم أن هناك تواصل واتصال بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الرئيس الصيني على أمل أن يلتقيا، عبر الاتصال الالكتروني نهاية هذا الشهر أو بعده، حيث يرى فيها خطوة جيدة بين الرئيسين الأمريكي والصيني من مصلحة العالم، معزيا ذلك بأنه لم يعد هناك مجال لعودة الحرب الباردة ، مبينا أن العالم أصبح أصغر بكثير مما كان عليه أيام الحرب الباردة الأولى خاصة في ظل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
ولفت الأمير تركي إلى أن أدوات التدمير أصبحت أكبر بكثير مما كانت عليه في ذلك الجيل، متمنيا أن لا تعمل هاتان الدولتان على الدخول في حرب باردة جديدة والابتعاد عن محاولة الاستعداء بين هاتين الدولتين لما لذلك من تأثير على العالم والمنطقة، متطلعا إلى أن تثمر الخطوات التي اتخذتها كل من الدولتين إلى ما هو أفضل لتتجنب عمليات الاستقطاب في العالم، متمنيا أن يتوج ذلك في لقاء بين الرئيسين الأمريكي والصيني.
وفي رده على سؤال حول المتغيرات التي جاءت بانسحاب أمريكا من أفغانستان وظهور أطماع دول وبروز توجهات روسية وصينية واسترالية وأوروبية في ظل وضع جديد، وما تلا ذلك من إحداث وتأثير ذلك على التعاطي الإيراني مع أحداث المنطقة، قال الأمير تركي: "بالنسبة لمسألة الأطماع في أفغانستان، فعبر التاريخ كانت أفغانستان دائمة معرضة للتدخلات الأجنبية، بما في ذلك الأمريكية لأنها تاريخيا كانت معنية بتوجه معين تجاه الآخر، وبالعودة للقرن التاسع عشر الميلادي، أثناء انشاء الإمبراطورية البريطانية واحتلالها لدول في آسيا وشبه القارة الهندية في ظل طموحات روسية الرومانية في ذلك الزمان في آسيا الوسطى، كانت أفغانستان هي محور الصراع، بين بريطانيا وبين روسيا في ذلك الحين".
وخلص الأمير تركي إلى أنه يبدو الموقع الجغرافي الأفغاني كان له أثر واضح على التوجهات الجيو سياسية، من قبل الدول العظمى، مشيرا إلى أنه بالعودة إلى الحرب الباردة والاتحاد السوفيتي سابقا، كان وقتها أفغانستان على الحد الذي يفصل بين حلفاء أمريكا جنوب أفغانستان وباكستان وإيران قبل الثورة الايرانية، مقابل الاتحاد السوفيتي شمال افغانستان حيث برز أن الاتحاد يتجه للتوسع أكثر، فكان موقف أمريكا هو الموقف المساند للمجاهدين في أفغانستان.
وحول أسباب استدعاء دول في العالم صوب أفغانستان في ذلك الزمان، أشار إلى أنه استنادا لمعلومات استقاها من مصادر اعلامية، فإن أفغانستان تتمتع بثروات معدنية نادرة وثمينة لو استغلتها سيكون لها تأثير كبير على اقتصاديات أفغانستان ، ويرى في ذلك أحد أسباب التوجه الدولي التحالفي نحو البلاد، مستدركاً إلى أن في الوقت نفسه التنافس السياسي لكل هذه الكتل ربما الذي أدى بهذه البلاد إلى أن تكون مسرحا لهذه الأحداث مجتمعة.
وحول تعليقه حول تأثير إيران الثقافي على الأحداث في المنطقة، أوضح الأمير تركي، ان إيران كان لها عداء دموي مع طالبان، حيث تعرض ايرانيين للقتل وحصلت معارك في أفغانستان، فاستشرت مظاهر العداء ولكن لاحقا ناهضت طالبان المحتل فكان ترى إيران في ان عدو عدوي هو صديقي، ومن هذا المنطلق وفرت مساعدات لطالبان، وقامت علاقة بين إيران وحركة الطالبان، ولذلك استضافت إيران فيما بعد مفاوضات بين طالبان ومعارضيها.
ولكن يرى الأمير تركي ، أن إيران كانت أيضا نشطة في العهد الذي تلا حكم طالبان، لمحاولة نشر ثقافتها وبالتالي تأثيرها على المجتمع الأفغاني حيث يوجد هناك أقلية شيعية في أفغانستان استغلتها إيران لبث سمومها في البلاد، مستدلاً على ذلك قدرة إيران استخدام هذه الأقلية الشيعية في أفغانستان لكي يقاتلوا في سوريا ، منوهاً أنها لم تخف ذلك، بل إنها روجت في وسائل اعلامها ما اعتبرته أنها من مؤيدي تحالف إيراني في سوريا، مؤكدا أنه من هذا المنطلق يتضح أن هناك تأثير إيراني على أفغانستان، مبينا أنه بالمقابل هناك تأثير من قبل طالبان في ايران غير أنه لا يستطع ان يصور حجم هذا التأثير لضعف المعلومات الكافية، ويرى أن الأيام كفيلة بأن تستكشف مدى العلاقة بين طالبان وايران خاصة وأن الأخيرة مشهود لها بالتدخلات في بعض دول الجوار لتعزيز تأثيرها في المنطقة.
يشار إلى أن كتاب «الملف الأفغاني» صدر أخيرًا بالإنجليزية عن دار Arabian Publishing في لندن، وقد تم تدشين النسخة الطبعة العربية منه بحضور الأمير تركي الفيصل بجناح مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في معرض الرياض الدولي للكتاب ،مساء أمس الخميس.
مصدر الخبر: سبق