خطبة الجمعة مكتوبة وزارة الأوقاف المصرية
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، القائل: (الحج مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ)، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وسلم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد تميزت الشريعة الإسلامية باليسر، والمرونة، ورفع الحرج عن الناس، ومراعاة أحوالهم وقدراتهم وظروفهم الزمانية والمكانية، حيث يقول عز وجل: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، ويقول سبحانه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ)، ويقول تعالي: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ)، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجةِ)، وحين بعث نبينا محمد (صلي الله عليه وسلم)، أبا موسي، ومعاذ بن جبل (رضي الله عنهما) إلي اليمن، قال لهما موجهًا وناصحًا: “يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا”.
خطبة الجمعة
والمتأمل في أركان الإسلام- ومنها الحج- يجد أنها تخاطب المستطيع الذي يقدر على الأداء، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): (بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا)، فالاستطاعة مناط التكليف بعد العقل والعلم حيث يقول الحق سبحانه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ)، ويقول تعالي: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ).
وزارة الأوقاف المصرية
والاستطاعة أنواع؛ منها: الاستطاعة البدنية التي تعني سلامة الجسد عن الآفات المانعة من أداء الفريضة، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن امرأة قالت: يا رسول الله، إنَّ فريضةَ اللهِ على عبادِه في الحجِّ أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيعُ أن يثبُتَ على الرَّاحلةِ، أفأحُجُّ عنه؟ قال: نعم، ومنها الاستطاعة المالية التي تعني القدرة على نفقات العبادة، فمن لم يجد مالًا للحج سقط عنه الفرض حتى يتوفر له المال.
ومنها: الأمن والأمان للوصول إلي البيت الحرام، سواء أكان أمنـًا من عدو، أم أمنـًا من الأوبئة، ولما كانت شعيرة الحج تجمع المسلمين من كل فج عميق؛ أصبح الخطر والضرر علي حجاج بيت الله الحرام من أثر الأوبئة وانتشارها وسط الزحام قويـًا، وهو ما يقتضي منع الناس من أن يخاطروا بأنفسهم إلي التجمعات الكبيرة أيــًا كان نوعها أو مقصدها؛ لأن حماية النفس من الضرر والهلاك من الكليات الست التي جاءت الشريعة بالحفاظ عليها؛ ولذا كان لولي الأمر القائم علي شأن الحج أن يتخذ من الإجراءات ما يضمن سلامة النفس، كما لسائر الدول أيضـًا أن تتخذ من الإجراءات ما يؤمن مواطنيها، حيث يقول تعالي: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، ويقول سبحانه: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).
وإن القارئ لأحداث التاريخ يجد أن الأمة الإسلامية مرت بسنوات عُطِّل فيها الحج كليـًا أو جزئيـًا أكثر من عشرين مرة بسبب انتشار الأمراض والأوبئة، أو عدم أمن الطريق، أو ظروف طارئة لبعض الدول عطلت حج أهلها.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلي الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن من كمال الشريعة الإسلامية أنها عظمت من أمر النية، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)، فكل إنسان مأجور بنيته، وكم من مسلم يبلغ أرفع المنازل بصدق نيته، يقول (صلي الله عليه وسلم): (مَنْ سأَلَ اللَّه تَعَالَى الشَّهَادةَ بِصِدْقٍ بلَّغهُ اللهُ منَازِلَ الشُّهَداءِ وإنْ ماتَ على فِراشِهِ)، وفي عودته (صلي الله عليه وسلم) يوم تبوك قال لأصحابه: (إنَّ بالمدينةِ لَرِجالًا ما سِرتُمْ مَسيرًا، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلاَّ كانُوا معكُم، حبَسهُمُ المَرضُ).
ومن هنا فينبغي للإنسان أن يحسن التجارة مع الله سبحانه؛ فإذا حيل بينه وبين عباده لعذر، فعليه أن يغتنم غيرها، ومن أدي المتيسر سقط عنه المتعذر، وفي المتاح سعة بالغة، ولا أفضل من الإسهام في مواجهة الأوبئة بتوفير الأجهزة أو المستلزمات الطبية للمستشفيات، ودعم الفقراء والمساكين، وقد قدم نبينا (صلي الله عليه وسلم) قضاء حوائج الناس على الاعتكاف في مسجده، يقول (صلي الله عليه وسلم): (أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ).
وتؤكد وزارة الأوقاف على جميع السادة الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير , وألا يزيد أداء الخطبة عن عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة ، مع ثقتنا في سعة أفقهم العلمي والفكري ، وفهمهم المستنير للدين ، وتفهمهم لما تقتضيه طبيعة المرحلة .
نسأل الله العلي القدير أن يجعل عودة صلاة الجمعة فاتحة خير ، وأن يعجل برفع البلاء عن البلاد والعباد ، عن مصرنا العزيزة وسائر بلاد العالمين ، وألا يكتب علينا ولا على أحد من خلقه غلق بيوته مرة أخرى.